من غزة إلى المريخ: قصة مهندس فلسطيني شاب ساعد ناسا في الوصول إلى الكوكب الأحمر
في فبراير من العام 2021، أعلنت وكالة أبحاث الفضاء الأميركية (ناسا) هبوط المركبة الفضائية "بيرسيفيرانس"، وبداخلها المروحية الصغيرة "إنجينيويتي"، على سطح كوكب المريخ، بعد رحلة استغرقت سبعة أشهر، بغرض البحث عن دلائل تثبت مظاهر لحياة سابقة على سطح المريخ.
وتعد هذه المهمة هي الأكثر تقدمًا بين المهمات الفضائية التي أقدمت عليها وكالة ناسا.
سنسلط الضوء في هذا الحوار الذي أجراه موقع أخبار الأمم المتحدة على أحد أولئك الجنود المجهولين الذين كانوا وراء تصميم مروحية المريخ قبل أن يحملها المسبار الفضائي "بيرسيفيرنس" إلى الكوكب الأحمر.
بطلنا هو المهندس الفلسطيني الشاب، لؤي البسيوني.
حصل البسيوني على درجة البكالوريوس والماجستير في الهندسة الكهربائية، وتخصص في تقنيات تحويل الطاقة وأنظمة الدفع الكهربائية المتقدمة والمستخدمة في تطوير التطبيقات الفضائية.
لقد عشت ودرست في غزة من المرحلة الابتدائية وحتى الثانوية العامة. درست في مدارس الأونروا من الصف الأول الابتدائي وحتى التاسع. عشت خلال الانتفاضة الأولى كلها في غزة. كانت فترة صعبة جدًا لأنها اتسمت بالإضراب ومنع التجول، وبالتالي كانت المدارس مغلقة في بعض الأحيان. وصادفت تلك الفترة أيضًا اندلاع حرب الخليج وبقينا لأشهر خارج المدرسة. وكان يتعين علينا أن ندرس بأنفسنا.
ساعدتنا مدارس الأونروا كثيرًا. كان بها أفضل المدرسين، وكانوا يشجعوننا كثيرًا على الدراسة. الأهل أيضًا كانوا يشجعوننا، لأننا نحن الفلسطينيين بطبيعتنا نحب الدراسة كثيرًا، ونستثمر فيها.
كان لدي هذا الهدف منذ الصغر، وكنت دائمًا أتخيل نفسي بأن أصبح مهندسًا. في بعض الأحيان كنت أتخيل بأنني سأصبح صيدلانيًا، ولكن في معظم الوقت كنت أفكر في الهندسة، لأنني كنت أحب بناء الأشياء التي تسهم في حل مشاكلنا وتحسين حياتنا في المستقبل.
قضيت بعض الوقت أدرس اللغة الإنجليزية في القطاع. كنت أعد نفسي للتقديم للجامعات في الولايات المتحدة. غادرت غزة في سنة 1998 إلى الولايات المتحدة.
قصة انضمامي إلى وكالة ناسا طويلة تعود إلى الأيام الأولى لتخرجي من الجامعة. كنت متأثرًا بالقضايا البيئية، وشعرت أنه يمكنني فعل أشياء تحسن الكرة الأرضية من حيث تغيير طبيعة الاعتماد على البترول.
درست هندسة اتصالات وكمبيوتر وتخصصت في نظام شبكات التحكم ثم تحولت إلى مجال الطاقة الكهربائية وخاصة السيارات الكهربائية، حيث عملت في هذا المجال واكتسبت خبرة في المحركات الكهربائية، كنت أعمل في شركة جنرال إليكتريك، ثم عملت في عدة شركات مبتدئة في مجال السيارات الكهربائية، ثم بعد ذلك عملت في شركة للطائرات الكهربائية واكتسبت خبرة في مجال صناعة المحركات الخفيفة، كنت أنا الوحيد الذي لديه خبرة في مجال إلكترونيات الطاقة في الشركة، وقد قمت بتصميم معظم محركات الطائرات الكهربائية في الشركة.
فزنا بمشروع مع مختبر الدفع النفاث التابع لوكالة ناسا (Jet Propulsion Laboratory) بغرض تطوير مروحية المريخ. سألني مديري عما إذا كنت راغبًا في أن أكون جزءًا من هذا المشروع وأن أكون مسؤولًا عن جانب الهندسة الكهربائية. كان الأمر في بدايته وكان مشروعًا تجريبيًا. بعد ذلك طورت ناسا المشروع واستمريت في العمل معهم. وقمت بتصميم أجزاء كبيرة من المروحية وكل الأمور المتعلقة بالدفع الكهربائي.
"إنجينيويتي" هي أول طائرة من دون طيار تقوم برحلة على سطح كوكب المريخ، وتعمل بالطاقة ويتم التحكم فيها من على سطح كوكب الأرض.
كانت "إنجنيويتي" داخل المركبة أو الحوّامة بيرسيفيرنس عندما هبطت لأول مرة على سطح المريخ.
الهدف من المروحية هو معرفة إمكانية الطيران في غلاف جوي به نسبة هواء قليلة. كان يفترض أن تطير المروحية لخمس مرات فقط لإثبات نظرية الطيران، ولكننا أجرينا 19 رحلة.
وهذا يحدث لأول مرة، لأنه لا يمكننا أن نرسل مروحية على ارتفاعات عالية حتى على سطح الكرة الأرضية.
يمكن للمروحية أن تساعد الحوّامة (Rover) في الاستكشافات على كوكب المريخ من خلال إرسال الصور. ويمكن للمروحية أن تحلق في أماكن لا يمكن للحوّامة أن تصلها. فقد تمكنت المروحية آخر مرة من الطيران في منطقة ذات كثبان رملية في كوكب المريخ كان لا يمكن للحوامة أن تسير فيها.
أما الهدف من الحوامة فهو جمع العينات ووضعها في أماكن معينة. يمكننا إرجاع هذه العينات إلى الأرض في المهمات المقبلة وفحصها لمعرفة المكونات لأن ما نعرفه عن المريخ معظمه تم من خلال دراسات بعيدة المدى. ليست لدينا معلومات عن مكونات التربة المريخية وما إذا كانت هناك مياه من قبل.
هذه أول رحلة طيران إلى المريخ، وأنا سعيد بأنني دخلت التاريخ. أهلي فخورون جدًا لأنني جزء من هذا المشروع وقد نجحنا فيه. لا يمكنك أن تتصور حجم الفرحة والفخر. الفرحة عمت كل أهل فلسطين وغزة وبيت حانون وكل معارفي.
رسالتي لشباب بلدي مفادها بأنه لابد لكل واحد فينا أن يتحلى بالأمل بتحقيق ما يتمناه. ليس هناك من مستحيل. لا بد من المحاولة، لأن من لا يحاول لا يدري ما إذا كان سينجح أم سيفشل. وإذا فشل أحدنا فلا يجب أن يجعل الفشل يقف عائقًا أمامه. أنا مررت بالكثير من مراحل الفشل في حياتي.
أحيانًا نتعلم من الفشل أكثر من النجاح. علينا بالاستمرار مهما كانت الظروف، وأن نتحلى بالتفكير الإيجابي - يمكننا أن ننجح ونحقق ما نطمح إليه.
عندما نحب ما نعمل تزيد إمكانية النجاح. لابد أن يكون لدينا إيمان بأنفسنا، وألّا يكون كل ما نفعله هو لتحقيق هدف شخصي فقط، بل لتحسين الحياة في مجتمعاتنا وفي الكرة الأرضية.
لأننا نحن مجرد جزء من عائلتنا ومجتمعنا وكوكبنا. وعندما يساعد أحدنا الآخر، فإن ذلك يزيد من إمكانية النجاح.
تم نشر الحوار الكامل مع لؤي البسيوني على موقع أخبار الأمم المتحدة.