جهود مجتمعية لمواجهة تغيّر المناخ وتعزيز الصمود في الأردن
تحوّل هادئ لكنه قوي يعزز الصمود المناخي في الأردن
في جميع أنحاء الأردن، يشهد البلد تحولًا هادئًا لكنه قوي. إذ تستخدم المجتمعات المحلية، والقادة الشباب، والنساء، قوة العمل المناخي لقيادة الطريق نحو أردن أكثر خضرة، وعدالة، وصمودًا. من ساحات المدارس إلى أسطح المنازل، تعمل المجتمعات في مختلف أرجاء البلاد على استعادة النُظم البيئية، وخلق فرص العمل، وزرع الأمل في المستقبل.
يعمل فريق الأمم المتحدة في الأردن عن كثب مع الحكومة والشركاء الدوليين لدعم هذه الجهود المحلية، مُجسّدًا ما يعنيه العمل المناخي الشامل على أرض الواقع: تركيز على المجتمع، مدفوع بالابتكار، ومستدام من خلال التعاون والشراكة.
وفي ظل تصاعد التحديات البيئية التي تواجه الأردن، بما في ذلك ارتفاع درجات الحرارة، وشُحّ المياه، وتدهور الأراضي، وفقدان التنوع البيولوجي، تمهد هذه المبادرات الطريق نحو تحول أكثر خضرة، وتُظهر أن الصمود المناخي ليس هدفًا بعيد المنال، بل هو رحلة جماعية مدفوعة بهدف مشترك.
وتحت قيادة منسق الأمم المتحدة المقيم، ووفقًا للأولويات الاستراتيجية للفترة 2023–2027، يعمل فريق الأمم المتحدة في الأردن على حشد الخبرات الفنية لدعم المبادرات الوطنية في مواجهة هذه التحديات، وتعزيز التكيف مع تغيّر المناخ وبناء الصمود على مستويات متعددة.
تربية النحل من أجل تعزيز القدرة على التكيف مع تغيّر المناخ وتحسين سبل العيش
في التلال الحرجية بمحافظتي جرش وعجلون، تؤدي الحرائق وموجات الجفاف المتزايدة إلى تدهور التنوع البيولوجي والزراعة. وفي مواجهة هذه التحديات، تعتمد عفاف نظامي، وهي من سكان المنطقة، على تربية النحل كوسيلة لمواجهة هذا الاتجاه، مع توفير فرص اقتصادية لأفراد مجتمعها، ولا سيما النساء، من أجل تحسين سبل عيشهم.
بصفتها رئيسة جمعية النشمية الخيرية لتنمية المرأة والطفل، كرّست عفاف نظامي جهودها منذ زمن طويل لدعم النساء والأطفال الأكثر هشاشة في مجتمعها. إلا أن تزايد وتيرة حرائق الغابات، وعدم انتظام هطول الأمطار، وامتداد فترات الجفاف دفعها إلى إدراك الحاجة إلى شكل جديد من التمكين، قائم على الصمود، والاستدامة، والحلول القائمة على الطبيعة.
وقد تم اختيار منظمتها المجتمعية كواحدة من بين ستة مستفيدين من مبادرة مشتركة تقودها منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (FAO) وحكومة اليابان. وتهدف هذه المبادرة إلى دمج الحد من مخاطر الكوارث مع تنمية سبل العيش المستدامة في محافظتي جرش وعجلون.
من خلال هذا البرنامج، تلقت عفاف وزميلاتها تدريبًا على الوقاية من الحرائق، والاستجابة للفيضانات، والتخفيف من آثار الجفاف، بالإضافة إلى تربية النحل. وإلى جانب المعارف والمهارات التي اكتسبتها، حصلت عفاف أيضًا على 90 خلية نحل مأهولة، وست آلات حديثة لاستخلاص العسل، وخزانات من الفولاذ المقاوم للصدأ، ومعدات لجني العسل، وأدوات تسويقية. وقد شكّل هذا الدعم كل ما تحتاجه لتحويل التدريب الذي تلقته إلى مصدر دخل يعزز سبل عيشها.
وقالت عفاف: "الأمر لا يقتصر على إنتاج العسل، بل يتعلق بتأمين مستقبل للجمعيات التي تقودها النساء، وتوليد الدخل، وتعزيز الأمن الغذائي في مجتمعاتنا. وبفضل الأدوات المناسبة، أصبح بإمكاننا اليوم إطلاق منتجات حقيقية ومستدامة."
بالنسبة لها، أصبحت تربية النحل رمزًا للإمكانات المتاحة عندما يتكامل الدعم الاستراتيجي والبنية التحتية المناسبة مع التدريب الفني والمعرفة المحلية. وتعمل جمعيتها حاليًا على تطوير منحل مجتمعي، يوفر فضاءً تتعلم فيه النساء، ويعملن، ويكسبن دخلًا معًا، مما يتيح لهن استعادة استقلاليتهن الاقتصادية والمساهمة في استعادة النُظم البيئية.
يتجاوز الأثر حدود جمعية عفاف. فمع توسيع نطاق هذه المبادرة وبالشراكة مع السلطات الوطنية، تم إنشاء لجنتين للحد من مخاطر الكوارث (DRR) على مستوى المحافظتين في جرش وعجلون. وتساهم هذه اللجان في دمج نهج الصمود المجتمعي ضمن التخطيط الإقليمي الأوسع.
علاوة على ذلك، أسهمت هذه الأنشطة في تنشيط الجهود الرامية إلى تعزيز استعادة النُظم الإيكولوجية، وتحقيق الاستخدام المستدام للأراضي، مع وضع المجتمعات المحلية في صميم جهود التكيف مع تغيّر المناخ.
إدماج العمل المناخي في الفصول الدراسية
في مدينة الزرقاء الصناعية، يقود شابان في الثالثة والعشرين من عمرهما—مهدي وربى—جهود العمل المناخي في مجتمعهما المحلي، حيث يترك الأثر الأكبر: في الفصول الدراسية مع الجيل القادم.
وبصفتهما قادة شباب في مجال المناخ ضمن برنامج "صَوْن" التابع لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (UNICEF)، شارك الثنائي في تأسيس مبادرة بيئية مجتمعية تحت اسم "أصدقاء المناخ"، تهدف إلى توعية تلاميذ المدارس بشأن تغيّر المناخ باستخدام الألعاب التفاعلية، ورواية القصص، والأدوات التعليمية الإبداعية.
وتوضح ربى:"استهدفنا هذه الفئة العمرية لأن الأطفال هم المستقبل. وما يتعلمونه في سن مبكرة يبقى معهم، وأردنا أن تكون تلك الدروس عن حب الأرض ورعايتها."
هذا التفاعل أدخل مفاهيم الاستدامة إلى الفصول الدراسية بطريقة مرِحة وتفاعلية. تعلّم الأطفال عن إعادة التدوير من خلال صنع ألعاب باستخدام أكواب بلاستيكية. واستكشفوا مفاهيم التنوع البيولوجي عبر زراعة البذور، وتعلّموا أهمية الحفاظ على المياه من خلال محاكاة هطول الأمطار داخل أنظمة بيئية مصغّرة. أراد مهدي وربى إيصال رسالة بسيطة ولكن قوية يتفاعل معها الأطفال بسهولة:
"إذا اعتنينا بالبيئة، فستعتني البيئة بنا."
بالنسبة لمهدي، كان هذا العمل شخصيًا للغاية.
"في الزرقاء، تتدهور جودة الهواء يومًا بعد يوم. والنفايات منتشرة في كل مكان. لكن مشاركتي في هذه المبادرة منحتني ما هو أكثر من الإحباط—منحتني الأمل،" يقول مهدي.
"أمل بأن الشباب، عندما يتّحدون، يمكنهم نشر الوعي، واتخاذ خطوات عملية، وتحقيق التغيير الحقيقي."
برنامج "صَوْن" هو شراكة بين وزارة الشباب ووزارة البيئة في الأردن، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (UNICEF)، وتم تنفيذه من قبل المنظمة غير الربحية "أجيال السلام". وقد عمل البرنامج مع قادة شباب في مجال المناخ مثل مهدي وربى، بهدف تنمية قدراتهم القيادية من خلال التدريب الملائم، وتمكينهم من المشاركة في المحافل الوطنية والدولية المتعلقة بتغيّر المناخ.
وبدعم سخي من مملكة هولندا عبر شراكة PROSPECTS، يطلق هؤلاء الشباب مبادرات توعوية بيئية في مختلف محافظات المملكة الاثنتي عشرة، مما يخلق تأثيرًا تراكميًا يعزز الوعي، ويُكرّس المسؤولية، ويقود نحو التغيير.
وتختم ربى قائلة:
"الأطفال فهموا أكثر مما كنا نتوقع. لقد ذكّرونا بأن أردنًا أنظف ممكن إذا بدأنا باكرًا، وبدأنا معًا."
الابتكار الذكي من أجل الأمن المائي
في محافظتي إربد والمفرق، حيث تمثل المياه مصدر حياة وتحدٍ في الوقت ذاته، يشقّ الشباب الأردني المبدع طرقًا جديدة نحو الصمود المناخي من خلال ابتكار نماذج أولية واعدة.
تحت مظلة مبادرة "توسيع نطاق الابتكار في المياه لأمن مناخي"، والمدعومة من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) والممولة من الوكالة السويدية للتنمية الدولية (Sida) عبر مرفق أهداف التنمية المستدامة والمناخ (SDG-Climate Facility)، يثبت مجموعة من روّاد الأعمال الشباب أصحاب الرؤى أن ندرة المياه يمكن معالجتها بالإبداع، لا باليأس.
سبع مؤسسات صغيرة ومتوسطة يقودها الشباب في صميم هذا التحول. إذ تستخدم هذه المؤسسات مزيجًا من أنظمة الري المعزّزة بالذكاء الاصطناعي، وأجهزة إنترنت الأشياء (IoT)، والحلول الزراعة المائية، والحدائق الرأسية، وتقنيات الجدران الخضراء—وكلٌّ منها مصمم خصيصًا ليتناسب مع المناخ القاسي والنُظم البيئية الهشة في الأردن.
ويقول أحد مؤسسي الشركات الناشئة بفخر:
"تمكّن مشروعنا من تقليل استهلاك المياه بنسبة 20%، مع زيادة الإنتاج الزراعي. الأمر لا يتعلق بالزراعة فحسب، بل بالابتكار والبقاء وتحمل المسؤولية."
لكن نطاق هذا المشروع يتجاوز هذه الشركات السبع. إذ خضعت أكثر من 25 شركة ناشئة تعمل في مجال الاستدامة لتدريب متخصص شمل نماذج التمويل، وتصميم عروض القيمة، وتطوير العملاء. وكان معظم المستفيدين من الشباب دون سن الثلاثين بنسبة بلغت 63%، مما يجعل هذه المبادرة نموذجًا قويًا لريادة الأعمال الموجّهة نحو التأثير بقيادة الشباب.
من قاعات الجامعات في إربد إلى الأراضي الزراعية في المفرق، بدأت هذه الابتكارات تؤتي ثمارها بالفعل.
فعلى سبيل المثال، تُحدث شركتان ناشئتان، "سمارت غرين" و**"سمارت واي تو إنوفيشن"، ثورة في الزراعة المنزلية من خلال استخدام البيانات لتحسين استهلاك المياه. كما أطلقت شركات "سنارة" و"غرين أون"** و**"آي بلانت"** نماذج للزراعة الحضرية تُعيد تعريف إنتاج الغذاء في الأحياء التي تعاني من شُح المياه.
وطورت شركتا الياقوت للاستثمارات الزراعية وكي لايف للإلكترونيات منتجات لتحسين التربة وزيادة احتباس المياه، مما يساعد المزارعين على تحقيق إنتاج أعلى باستخدام موارد أقل.
وبتوجيه من استراتيجية الشباب 2030، ضمنت هذه المبادرة استدامتها طويلة الأمد من خلال تدريب المستفيدين على صيانة الأنظمة، ونقل المعرفة الفنية وملكية الحلول إلى المجتمعات المحلية.
وتُظهر القيادة المجتمعية في الأردن الدور المحوري للعمل المحلي في بناء الصمود المناخي. فبدعم من فريق الأمم المتحدة في الأردن، تؤكد هذه الابتكارات أن تمكين المجتمعات المحلية—بما في ذلك النساء والشباب—لقيادة مسار التنمية المستدامة هو السبيل نحو مستقبل مزدهر ومستدام.
لمزيد من المعلومات حول عمل الأمم المتحدة في الأردن، يُرجى زيارة:jordan.un.org